سورة طه - تفسير تفسير البقاعي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


ولما تشوف السامع إلى ما كان من موسى عليه السلام عند ذلك، استأنف سبحانه الخبر عنه بقوله: {قال لهم} أي لأهل الكيد وهم السحرة وغيرهم {موسى} حين رأى اجتماعهم ناصحاً لهم: {ويلكم} يا أيها الناس الذين خلقهم الله لعبادته {لا تفتروا} أي لا تتعمدوا أن تصنعوا استعلاء {على الله كذباً} بجعلكم آياته العظام الثابتة سحراً لا حقيقة له، وادعائكم أن ما تخيلون به حق وليس بخيال، وإشراككم به؛ وسبب عنه قوله: {فيسحتكم} أي يهلككم؛ قال الرازي. وأصله الاستئصال {بعذاب} أي عظيم تظهر به خيبتكم {وقد خاب} كل {من افترى} أي تعمد كذباً على الله أو على غيره {فتنازعوا} أي تجاذب السحرة {أمرهم بينهم} لما سمعوا هذا الكلام، علماً منهم بأنه لا يقدر أن يواجه فرعون بمثله في جميع جنوده وأتباعه لم يسلم منه إلا من الله معه {وأسروا النجوى} أي كلامهم الذي تناجوا به وبالغوا في إخفائه، فإن النجوى الإسرار، لئلا يظهر فرعون وأتباعه على عوارهم في اختلافهم الذي اقتضاه لفظ التنازع، فكأنه قيل: ما قالوا حين انتهى تنازعهم؟ فقيل: {قالوا} أي السحرة بعد النظر وإجالة الرأي ما خيلهم به فرعون تلقناً منه وتقرباً إليه بما ينفر الناس عن موسى وهارون عليهما السلام ويثبطهم عن اتباعهما وإن غلبا، لأنه لا ينكر غلبة ساحر على ساحر آخر: {إن هذان} أي موسى وهارون وقرئ: هاذان- بالألف، على لغة من يجعل ألف المثنى لازمة في كل حال؛ قال أبو حيان: وهي لغة لطوائف من العرب لبني الحارث بن كعب وبعض كنانة خثعم وزبيد وبني العنبر وبني الهجيم ومراد وعذره. {لساحران} لا شك في ذلك منهما {يريدان} أي بما يقولان من دعوى الرسالة وغيرها {أن يخرجاكم} أيها الناس {من أرضكم} هذه التي ألفتموها، وهي وطنكم خلفاً عن سلف {بسحرهما} الذي أظهراه لكم وغيره.
ولما كان كل حزب بما لديهم فرحون قالوا: {ويذهبا بطريقتكم} هذه السحرية التي تعبتم في تمهيدها، وأفنى فيها أسلافكم أعمارهم، حتى بلغ أمرها الغاية، وبدينكم الذي به قوامكم {المثلى} أي التي هي أمثل الطرق، فيكونا آثر بما يظهرانه منها عند الناس منكم، ويصرفان وجوه الناس إليها عنكم، ويبطل ما لكم بذلك من الارزاق والعظمة عند الخاص والعام وغير ذلك من الأغراض {فأجمعوا كيدكم} أي لا تدعوا منه شيئاً إلا جئتم به ولا تختلفوا تضعفوا {ثم ائتوا} إلى لقاء موسى وهارون لمباراتهما {صفاً} أي متسابقين متساوين في السباق ليستعلي أمركم عليهما فتفلحوا، والاصطفاف أهيب في صدور الرائين.
ولما كان التقدير: فمن أتى كذلك فقد استعلى، عطف عليه قولهم محققاً: {وقد أفلح اليوم} في هذا الجمع الذي ما اجتمع مثله قط {من استعلى} أي غلب ووجد علوه، أي ففعلوا ما تقدم وأتوا صفاً، فلما أتوا وكانوا خبيرين بأن يقولوا ما ينفعهم في مناصبة موسى عليه السلام، استؤنف الإخبار عنه بقوله تعالى: {قالوا} أي السحرة منادين، لأن لين القول مع الخصم إن لم ينفع لم يضر: {يا موسى إما أن تلقي} ما معك مما تناظرنا به أولاً {وإما أن نكون} أي نحن {أول من ألقى} ما معه {قال} أي موسى مقابلاً لأدبهم بأحسن منه ولأنه فهم أن مرادهم الابتداء، وليكون هو الآخر فيكون العاقبة بتسليط معجزته على سحرهم فلا يكون بعدها شك: لا ألقي أنا أولاً {بل ألقوا} أنتم أولاً، فانتهزوا الفرصة، لأن ذلك كان مرادهم بما أفهموه من تعبير السياق والتصريح بالأول، فألقوا {فإذا حبالهم وعصيهم} التي ألقوها {يخيل إليه} وهو صفينا تخييلاً مبتدئاً {من سحرهم} الذي كانوا قد فاقوا به أهل الأرض {أنها} لشدة اضطربها {تسعى} سعياً، وإذا كان هذا حاله مع أنه أثبت الناس بصراً وأنفذهم بصيرة فما ظنك بغيرة! {فأوجس} أي أضمر بسبب ذلك، وحقيقته: أوقع واجساً أي خاطراً وضميراً.
ولما كان المقام لإظهار الخوارق على يديه، فكان ربما فهم أنه أوقعه في نفس أحد غيره، كان المقام للاهتمام بتقديم المتعلق، فقال لذلك لا لمراعاة الفواصل: {في نفسه} أي خاصة، وقدم ما المقام له والاهتمام به فقال: {خيفة موسى} مثل ما خاف من عصاه أول ما رآها كذلك على ما هو طبع البشر، وللنظر إلى الطبع عبر بالنفس لا القلب مثلاً.


ولما كان ذلك، وكان المعلوم أن الله معه، وأنه جدير بإبطال سحرهم، استأنف الخبر عنه بقوله: {قلنا} بما لنا من العظمة: {لا تخف} من شيء من أمرهم ولا غيره، ثم علل ذلك بقوله، وأكده أنواعاً من التأكيد لاقتضاء الحال إنكار أن يغلب أحد ما أظهروا من سحرهم لعظمه: {إنك أنت} أي خاصة {الأعلى} أي الغالب غلبة ظاهرة لا شبهة فيها {وألق} وأشار إلى يمن العصا وبركتها بقوله: {ما في يمينك} أي من هذه العصا التي قلنا لك أول ما شرفناك بالمناجاة {وما تلك بيمينك يا موسى} ثم أريناك منها ما أريناك {تلقف} بقوة واجتهاد مع سرعة لا تكاد تدرك- بما أشار إليه حذف التاء {ما صنعوا} أي فعلوه بعد تدرب كبير عليه وممارسة طويلة؛ ثم علل ذلك بقوله: {إنما} أي أن الذي {صنعوا} أي أن صنعهم مما رأيته وهالنا أمُره.
ولما كان المقصود تحقير هذا الجيش أفرد ونكر لتنكير المضاف وتحقيره فقال: {كيد ساحر} أي كيد سحري لا حقيقة له ولا ثبات، سواء كان واحداً أو جمعاً، ولو جمع لخيل أن المقصود العدد، ولما كان التقدير: فهم لا يفلحون، عطف عليه قوله: {ولا يفلح الساحر} أي هذا الجنس {حيث أتى} أي كيف ما سار وأيّه {سلك} فإنه إنما يفعل ما لا حقيقة له، فامتثل ما أمره به ربه من إلقاء عصاه، فكان ما وعده به سبحانه من تلقفها لما صنعوا من غير أن يظهر عليها زيادة في ثخن ولا غيره مع أن حبالهم وعصيهم كانت شيئاً كثيراً، فعلم كل من رأى ذلك حقيته وبطلان ما فعل السحرة، فبادر السحرة منهم إلى الخضوع لأمر الله ساجدين مبادرة من كأنه ألقاه ملق على وجهه، ولذلك قال تعالى بعد أن ذكر مكرهم واجتهادهم في معارضة موسى عليه الصلاة والسلام وحذف ذكر الإلقاء وما سببه من التلقف لأن مقصود السورة القدرة على تليين القلوب القاسية: {فألقي السحرة} أي فألقاهم ما رأوا من أمر الله بغاية السرعة وبأيسر أمر {سجداً} على وجوههم؛ قال الأصبهاني: سبحان الله! ما أعظم شأنهم! ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رؤوسهم بعد ساعة الشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الإلقاءين. فكأن قائلاً قال: هذا فعلهم فما قالوا؟ فقيل: {قالوا آمنا} أي صدقنا.
ولما كان سياق هذه السورة مقتضياً لتقديم هارون عليه السلام قال: {برب هارون وموسى} بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه سبحانه لا يشقيه بهذا القرآن بل يهدي الناس به ويذلهم له، فيجعل العرب على شماختها أذل شيء لوزرائه وأنصاره وخلفائه وإن كانوا أضعف الناس، وقبائلهم أقل القبائل، مع ما في ذلك من الدليل على صدق إيمانهم وخلوص ادعائهم بتقديم الوزير المترجم ترقياً في درج المعرفة ممن أوصل ذلك إليهم إلى من أمره بذلك ثم إلى من أرسله شكراً للمنعمين بالتدريج «لا يشكر الله من لم يشكر الناس» وهذا لما أوجب تقديمه هنا لا لهذا فقط، وذكروا اسم الرب إشارة إلى أنه سبحانه أحسن إليهما بإعلاء شأنهما على السحرة، وعلى من كانوا يقرون بالربوبية، وهو فرعون الذي لم يغن عنهم شيئاً، فكانوا أول النهار سحرة، وآخر شهداء بررة، وهذه الآية في أمثالها من أي هذه السور وغيرها مما قدم فيه ما يتبادر أن حقه التأخير وبالعكس لأنحاء من المعاني دقيقة، هي التي حملت بعض من لم يرسخ إلى أن يقول: إن القرآن يراعي الفواصل كما يتكلف بلغاء العرب السجع، وتبعه جمع من المتأخرين تقليداً، وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حين قال: «سجع كسجع الجاهلية أو قال: الكهان» وقد علم مما ذكرته أن المعنى الذي بنيت عليه السورة ما كان ينتظم إلا بتقديم هارون، ويؤيد ذلك أنه قال هنا {إنا رسولا} وفي الشعراء {رسول}، وقد قال الإمام فخر الدين الرازي كما حكاه عنه الشيخ أبو حيان في سورة فاطر من النهر: لا يقال في شيء من القرآن: أنه قدم أو أخر لأجل السجع، لأن معجزة القرآن ليست في مجرد اللفظ، بل فيه وفي المعنى، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب إعجاز القرآن: ذهب أصحابنا كلهم إلى نفي السجع من القرآن وذكره أبو الحسن الأشعري في غير موضع من كتبه، ثم رد على المخالف بأن قال: والذي يقدرونه أنه سجع فهو وهم، لأنه قد يكون الكلام على مثال السجع وإن لم يكن سجعاً لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع. وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن، لأن اللفظ يقع فيه تابعاً للمعنى، وفصل بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود فيه وبين أن يكون المعنى منتظماً دون اللفظ. ومتى ارتبط المعنى بالسجع كان إفادة السجع كإفادة غيره. ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلباً لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى، ثم استدل على ذلك بأشياء نفيسة أطال فيها وأجاد- رحمه الله، وقد تقدم في آخر سورة التوبة ما ينفع جداً في هذا المرام.
ولما كان موسى عليه السلام هو المقصود بالإرسال إلى فرعون، استأنف تعالى الإخبار عن فرعون عندما فجئه ذلك فقال: {قال} أي فرعون للسحرة منكراً عليهم، وأضمر اسمه هنا ولم يظهره كما في الأعراف لأن مقصود السورة الرفق بالمدعوين والحلم عنهم، وهو غير متأهل لذكر اسمه في هذا المقام: {آمنتم} أي بالله {له} أي مصدقين أو متبعين لموسى {قبل أن ءاذن لكم} في ذلك، إبهاماً بأنه سيأذن فيه ليقف الناس عن المبادرة إلى الاتباع بين خوف العقوبة ورجاء الإذن؛ ثم استأنف قوله معللاً مخيلاً لأتباعه صداً لهم عن الاقتداء بهم: {إنه لكبيركم} أي في العلم {الذي علمكم السحر} فلم تتبعوه لظهور الحق، بل لإرادتكم شيئاً من المكر وافقتموه عليه قبل حضوركم في هذا الموطن، وهذا على عادته في تخييل أتباعه فيما يوقفهم عن اتباع الحق.
ولما خيلهم، شرع يزيدهم حيرة بتهديد السحرة فقال: {فلأقطعن} أي سبب ما فعلتم {أيديكم} على سبيل التوزيع {وأرجلكم} أي من كلٍّ يداً ورجلاً {من خلاف} فإذا قطعت اليد اليمنى قطعت الرجل اليسرى {ولأصلبنكم} وعبر عن الاستعلاء بالظرف إشارة إلى تمكينهم من المصلوب فيه تمكين المظروف في ظرفه فقال: {في جذوع النخل} تبشيعاً لقتلكم ردعاً لأمثالكم {ولتعلمن أينا} أنا أورب موسى الذي قال: إنه أوحى إليه أن العذاب على من كذب وتولى {أشد عذاباً وأبقى} أي من جهة العذاب، أي أينا عذابه أشد وأطول زماناً.


ولما علموا ما خيل به على عقول الضعفاء، نبهوهم فأخبر تعالى عن ذلك بقوله مستأنفاً: {قالوا لن نؤثرك} أي نقدم أثرك بالاتباع لك لنسلم من عذابك الزائل {على ما جاءنا} به موسى عليه السلام {من البينات} التي عايناها وعلمنا أنه لا يقدر أحد على مضاهاتها. ولما بدؤوا بما يدل على الخالق من الفعل الخارق، ترقوا إلى ذكره بعد معرفته بفعله، إشارة إلى عليّ قدره فقالوا: {والذي} أي ولا نؤثرك بالاتباع على الذي {فطرنا} أي ابتدأ خلقنا، إشارة إلى شمول ربوبيته سبحانه وتعالى لهم وله ولجميع الناس، وتنبيهاً على عجز فرعون عند من استحقه، وفي جميع أقوالهم هذه من تعظيم الله تعالى عبارة وإشارة وتحقير فرعون أمر عظيم.
ولما تسبب عن ذلك أنهم لا يبالون به، علماً بأن ما فعله فهو بإذن الله، قالوا: {فاقض ما} أي فاصنع في حكمك الذي {أنت قاض} ثم عللوا ذلك بقولهم: {إنما تقضي} أي تصنع بنا ما تريد أن قدرك الله عليه {هذه الحياة الدنيا} أي إنما حكمك في مدتها على الجسد خاصة، فهي ساعة تعقب راحة، ونحن لانخاف إلا ممن يحكم على الروح وإن فني الجسد، فذاك هو الشديد العذاب، الدائم الجزاء بالثواب أو العقاب، ولعلهم أسقطوا الجار تنزلاً إلى أن حكمه لو فرض أنه يمتد إلى آخر الدنيا لكان أهلاً لأن لا يخشى لأنه زائل وعذاب الله باق. ثم عللوا تعظيمهم لله واستهانتهم بفرعون بقولهم: {إنا ءامنا بربنا} أي المحسن إلينا طول أعمارنا مع إساءتنا بالكفر وغيره {ليغفر لنا} من غير نفع يلحقه بالفعل أو ضرر يدركه بالترك {خطايانا} التي قابلنا بها إحسانه: ثم خصوا بعد العموم فقالوا: {وما أكرهتنا عليه} وبينوا ذلك بقولهم: {من السحر} لتعارض به المعجزة، فإن كان الأكمل لنا عصيانك فيه لأن الله أحق بأن يتقى. روي أن الذي كان من القبط من السحرة اثنان فقط، والباقون من بني إسرائيل أكرههم فرعون على تعلم السحر، وروي أنهم رأوا موسى عليه السلام نائماً وعصاه تحرسه فقالوا لفرعون إن الساحر إذا نام بطل سحره، فهذا لا يقدر على معارضته، فأبى عليهم وأكرههم على المعارضة.
ولما كان التقدير: فربنا أهل التقوى وأهل المغفرة، عطفوا عليه مستحضرين لكماله: {والله} أي الجامع لصفات الكمال {خير} جزاء منك فيما وعدتنا به {وأبقى} ثواباً وعقاباً، والظاهر أن الله تعالى سلمهم من فرعون، ويؤيده قوله تعالى: {أنتما ومن اتبعكما الغالبون} [القصص: 35]- قاله أبو حيان. وسيأتي في آخر الحديد ما هو صريح في نجاتهم؛ ثم عللوا هذا الختم بقولهم: {إنه من يأت ربه} أي الذي رباه وأحسن إليه بأن أوجده وجعل له جميع ما يصلحه {مجرماً} أي قاطعاً ما أمره به أن يوصل {فإن له جهنم} دار الإهانة {لا يموت فيها} أبداً مع شدة عذابها.
بخلاف عذابك الذي إن اشتد أمات فزال سريعاً، وإن خف لم يُخِفْ وكان آخره الموت وإن طال {ولا يحيى} فيها حياة ينتفع بها {ومن يأته} أي ربه الذي أوجده ورباه {مؤمناً} أي مصدقاً به.
ولما قدم أن مجرد الكفر يوجب العذاب. كان هذا محلاًّ يتوقع فيه الإخبار عن الإيمان بمثل ذلك فقال: {قد} أي ضم إلى ذلك تصديقاً لإيمانه أنه {عمل} أي في الدنيا {الصالحات} التي أمر بها فكأن صادق الإيمان مستلزم لصالح الأعمال {فأولئك} أي العالو الرتبة {لهم} أي لتداعي ذواتهم بمقتضى الجبلة {الدرجات العلى} التي لا نسبة لدرجاتك التي وعدتنا بها منها؛ ثم بينوها بقولهم: {جنات عدن} أي أعدت للإقامة وهيئت فيها أسبابها {تجري من تحتها الأنهار} أي من تحت غرفها وأسرتها وأرضها؛ فلا يراد موضع منها لأن يجري فيه نهر إلا جرى؛ ثم بين بقوله: {خالدين فيها} أن أهلها هيئوا أيضاً للإقامة.
ولما أرشد السياق والعطف على غير معطوفٍ عليه ظاهر إلى أن التقدير: ذلك الجزاء العظيم والنعيم المقيم جزاء الموصوفين، لتزكيتهم أنفسهم، عطف عليه قوله: {وذلك جزاء} كل {من تزكى} أي طهر نفسه بما ذكر من الإيمان والأعمال الصالحة، وفي هذا تسلية للصحابة رضوان الله عليهم فيما كان يفعل بهم عند نزول هذه السورة إذ كانوا مستضعفين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7